شهدت منطقة الشرق الأوسط في الأيام القليلة الماضية تصعيدا خطيرا بين إسرائيل وإيران، بعد أن أطلقت إسرائيل ضربة جوية استهدفت مواقع إيرانية داخل الأراضي الإيرانية. وتأتي هذه الضربات في الوقت الذي كانت إيران في خضم مفاوضات مع الولايات المتحدة حول مصير برنامج إيران النووي.
وتعود جذور هذا التصعيد إلى الهجوم الذي شنته حركة "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، وما تلاه من حرب شرسة في غزة خلفت عشرات الآلاف من الضحايا الفلسطينيين. طوال هذه الفترة، اتهمت إسرائيل إيران بدعم "حماس" و"حزب الله" بالسلاح والتمويل، وهو ما نفته طهران رسميا رغم اعترافها بدعمها "المقاومة" في المنطقة.
لكن التصعيد المباشر بين طهران وتل أبيب بدأ بعد الضربة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق في 1 أبريل 2024، والتي أودت بحياة عدد من كبار القادة العسكريين في "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، بما في ذلك اللواء محمد رضا زاهدي. اعتبرت إيران هذا الهجوم انتهاكا للسيادة السورية وللقانون الدولي، وهددت بالرد.
في ليلة 13 أبريل، نفذت إيران تهديدها وأطلقت نحو 300 طائرة مسيرة وصاروخ باليستي نحو إسرائيل، وفقا للجيش الإسرائيلي. جاء الهجوم بعد أيام من التهديدات العلنية، مما سمح لإسرائيل وحلفائها – بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأردن – بالاستعداد لاعتراض الصواريخ. أفادت تقارير بأن 99% من الصواريخ والطائرات المسيرة تم اعتراضها، مما قلل من الأضرار المادية والبشرية.
لكن الرسالة السياسية كانت واضحة: إيران كسرت حاجز التردد في ضرب إسرائيل مباشرة، وهو ما اعتبره محللون استراتيجيون دليلا على احتمال نشوب حرب أكبر وجر المنطقة بكاملها إلى مستنقع النزاع.
بعد أيام من التهديد بالرد، نفذت إسرائيل ضربة جوية في الساعات الأولى من 19 أبريل استهدفت – وفقا لوسائل إعلام غربية – موقعا عسكريا قرب مدينة أصفهان، وهي منطقة حيوية تضم منشآت نووية إيرانية. نفت إيران تعرض منشآتها النووية لأي ضرر، لكنها أكدت سقوط طائرات مسيرة صغيرة.
اللافت أن كلا الطرفين حاولا تخفيف حدة التصعيد بعد الضربة الإسرائيلية. فإيران تجنبت الاعتراف بضربة كبيرة، وإسرائيل لم تعلن مسؤوليتها رسمياً، في إشارة إلى رغبة الطرفين في منع الحرب الشاملة.
رغم أن كلا الجانبين يبدو أنهما لا يرغبان في حرب واسعة، إلا أن المنطقة دخلت مرحلة جديدة من المواجهة المباشرة. تقول كلير داوسون، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط بمعهد تشاتام هاوس، لـبي بي سي: "اللعبة اختلفت الآن.. إيران وإسرائيل تجاوزا مرحلة الحرب بالوكلاء، وهذا يعني أن أي خطأ حسابي قد يؤدي إلى انفجار كبير".
في الوقت نفسه، تحاول الولايات المتحدة والدول الأوروبية ضبط التصعيد، خشية تأثيراته على الاقتصاد العالمي وأسواق النفط. لكن مع استمرار الحرب في غزة واشتعال الجبهات بين حزب الله وإسرائيل في لبنان، يبقى السؤال: هل يمكن احتواء هذا البركان، أم أن المنطقة على حافة مواجهة إقليمية شاملة؟
هذا ويبدو أن التصعيد الحالي قد فتح بابا جديدا من المواجهات التي قد لا تكون الأخيرة، في صراع طويل تتشابك فيه الأجندات المحلية والدولية، وتزداد فيه مخاطر الانزلاق إلى المجهول.