بعد سنوات من الفوضى الافتراضية وانحدار الذوق العام، تحركت السلطات لتنفيذ حملة تطهير واسعة طال انتظارها من قبل فئة واسعة من الرأي العام التي ضاقت ذرعا بالمشهد الرقمي. فما جرى خلال الأشهر الأخيرة لم يكن مجرد حالة عابرة، بل نقطة تحول حاسمة في التعامل مع ما أصبح يعرف ب"الانحراف الرقمي" الذي كان ينهش منصات التواصل، خصوصا منصة تيك توك.
عدد من الأسماء التي هيمنت على الساحة الإلكترونية عبر الضجيج والبذاءة وصناعة الفرجة الدائمة وجدت نفسها خلال الفترة الماضية وسط ملفات قضائية أو في قلب جدل إعلامي كبير. نماذج مختلفة كانت تجسيدا لمرحلة انتشر فيها محتوى يقوم على الإهانة بدل الإبداع، وعلى الصخب بدل الفكرة، وعلى الفوضى بدل الرسالة.
اليوم، تقترب تلك الحقبة من نهايتها. فالفضاء الرقمي لم يعد منطقة خارجة عن القانون، ولا منصة تمنح أصحاب الشهرة الافتراضية شعورا بالحصانة. الواقع الجديد يفرض أن القانون ساري المفعول في العالم الرقمي كما هو في الواقع، وأن المؤسسات بدأت تسترجع سيطرتها على مجال ترك طويلا دون حراسة.
التحركات الجارية ليست مجرد مواجهة للمحتوى "غير اللائق"، بقدر ما هي دفاع عن الذوق العام وحماية للمستوى الثقافي والأخلاقي للمجتمع أمام موجة من السعي المرضي وراء المشاهدات. الأحداث الأخيرة كشفت أن كثيرا من صناع المحتوى خلطوا بين حرية التعبير والانفلات، وبين الفكاهة والابتذال، وبين التفاعل والاستفزاز المجاني.
الأكثر لفتا للنظر هو تفاعل الجمهور. فخلال هذه الموجة، ظهر لأول مرة منذ سنوات توافق واسع يشجع التدخل القضائي، ويرى فيه خطوة ضرورية لتنقية فضاء أصبح خانقا بفعل محتويات مدمرة وسلوكيات صاخبة وصور محرجة. كثير من المؤثرين أصبحوا اليوم أمام القضاء، بينما يتحرك آخرون بحذر شديد تفاديا لأن تطالهم الموجة التالية. الرسالة واضحة: حرية الإنترنت لا تعني أبدا الحق في الوقاحة.
المغرب يدخل بذلك مرحلة جديدة يسعى خلالها إلى تحويل فضائه الرقمي إلى مساحة للإبداع والحوار والتفكير المشترك، بعيدا عن الفوضى الأخلاقية التي سادت لسنوات. وهي مرحلة تُلزم المؤثرين بإدراك أن الشهرة لا تمنح الامتياز، وأن الظهور الإعلامي لا يعني حصانة ولا إعفاء من المسؤولية.
ومع استمرار حملة التنظيف، فإن التحذير الحقيقي موجّه لمن يظنون أن فوضى تيك توك نموذج قابل للاستمرار. عصر الإفلات من العقاب رقميا يشارف على الانتهاء، وعصر جديد يتشكل: عصر المسؤولية الرقمية.