الأربعاء، 10 ديسمبر 2025

بوريطة: تقرير المصير لا يعني تلقائيا الاستفتاء والحل في التفاوض المسؤول


أضاء الحوار الذي أدلى به ناصر بوريطة لوكالة "إيفي" عقب الاجتماع رفيع المستوى بين المغرب وإسبانيا ملامح الرؤية المغربية لمسار تطور ملف الصحراء المغربية، إذ كشف من خلال إجاباته عن القراءة المغربية للقرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن، وعن الفلسفة السياسية الجديدة التي تؤطر التحرك الدبلوماسي للمملكة.

ومنذ البداية حرص الوزير على تبديد اللبس المزمن بين مبدأ تقرير المصير والاستفتاء، مؤكدا أنه "لا أحد قال إن تقرير المصير يعني الاستفتاء"، ومشددا على أن المبدأ مرتبط بقدرة الأطراف على التعبير، بمسؤولية، عن إرادة سياسية. ويرى أن توقيع اتفاق بعد مفاوضات هو في ذاته تعبير عن إرادة، في انسجام مع تطور الممارسات المعاصرة في القانون الدولي التي تفضّل الحلول المتفاوض بشأنها على الآليات الجامدة.

وتتضح معالم هذه الرؤية أكثر عند حديثه عن قرار 31 أكتوبر، الذي يعتبره بمثابة "قطيعة" مع ما سبق من مقاربات أممية، إذ يحدد الأساس الوحيد للمسار التفاوضي في مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007، ويبرز الهدف النهائي المتمثل في ممارسة حكم ذاتي حقيقي تحت السيادة المغربية، مع تحديد الأطراف المعنية والإطار الزمني، مانحا بالتالي للعملية قدرا من الانسجام والوضوح كانت تفتقده لسنوات.

ويشير بوريطة إلى أن تطور السياق الوطني والدولي يتطلب ملاءمة المبادرة المغربية، معتبرا أن وثيقة 2007 صيغت في مغرب مختلف، قبل دستور 2011، وقبل تفعيل الجهوية المتقدمة، وقبل النموذج التنموي الجديد. ويشدّد على أن مرور ثمانية عشر عاما جعل المبادرة تنتقل من مجرد "مبادرة دبلوماسية" إلى "خطة مفصلة" ينبغي ملاءمتها مع مكانتها الجديدة كمرجع دولي. ومن هذا المنطلق تأتي المشاورات الجارية مع الأحزاب السياسية، لأن "القضية تهم كل المغاربة"، بحسب تعبيره.

وعند سؤاله عن مسار المفاوضات المقبلة، أوضح الوزير أن القرار حدد الأطراف الأربع، وأن المغرب سيعمل ضمن هذا الإطار دون الخوض في مسألة حضور البوليساريو من عدمه، مؤكدا أن الدور الخاص الممنوح للولايات المتحدة في احتضان المناقشات قائم، وإن لم تحدد تواريخ بعد. كما دعا الشركاء الأوروبيين إلى مواصلة دعم المسار، مشيرا إلى أن المغرب قام بما يلزم لإرساء الظروف المواتية للحل، ويرغب في المضي قدما في شراكته الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي.

ولم يترك بوريطة أي هامش للتأويل بخصوص توصيف ساكنة المنطقة، موضحا أن الحديث يهم "سكانا" وليس "شعبا" بالمعنى القانوني، مستندا في ذلك إلى الصيغة الدقيقة الواردة في القرار الأممي. كما رفض فكرة أي آلية دولية لمراقبة تنفيذ الحكم الذاتي، معتبرا أنها غير مبررة، لأن توقيع الاتفاق كافٍ لبدء التطبيق دون وصاية خارجية، لا سيما في ظل الثقة الدولية المتزايدة في المقترح المغربي.

أما بشأن إدارة المجال الجوي فوق الصحراء، الذي تشرف عليه إسبانيا حاليا، فاعتبر بوريطة أن الوضع يتطلب مراجعة واقعية، متسائلا: عند وقوع حادث في هذه المنطقة، من يتحمل المسؤولية؟ "المغرب"، يجيب الوزير، موضحا أن من الطبيعي أن يتوصل الرباط ومدريد، في ظل الثقة المتبادلة، إلى حلول عملية ومبتكرة تعكس المتغيرات السياسية والعملياتية، خصوصا وأن الإبقاء على وضع قديم أصبح "غير متناسب" مع الواقع.

وتبرز من خلال هذا الحوار رؤية مغربية منسجمة، ترى أن الحل السياسي الواقعي والمتوافق بشأنه بات يتكرس كإطار مركزي داخل المسار الأممي، وأن تحديث خطة الحكم الذاتي، وتوضيح مفهوم تقرير المصير، وتحديد الأطراف، ومواءمة الجهود مع الشركاء الدوليين، كلها إشارات إلى لحظة دبلوماسية مميزة يتموضع فيها المغرب كفاعل مبادر، واثق من مقاربته، وعازم على طيّ هذا الملف ضمن مقاربة قوامها المسؤولية واستقرار المنطقة.