وافقت شركة نتفليكس على شراء استوديوهات التلفزيون والسينما وقسم البث التابع لشركة وورنر براذرز ديسكوفري مقابل 72 مليار دولار، في صفقة تمنح عملاق البث السيطرة على واحد من أعرق وأهم الأصول في هوليوود. وتمثل هذه الخطوة تحولا لافتا في مسار نتفليكس التي قلبت قواعد صناعة الترفيه وغيرت طريقة مشاهدة الجمهور للأفلام والمسلسلات، قبل أن تتحول فجأة إلى الاستوديو التقليدي الذي كانت تنافسه.
وقال تيد ساراندوس، الرئيس التنفيذي المشارك لنتفليكس، إن البعض قد يستغرب قرار الاستحواذ، لكنه أكد أن الفرصة استثنائية وستساعد الشركة على تحقيق مهمتها في تقديم الترفيه للعالم وتقريب الناس عبر قصص مميزة. وتأتي هذه الصفقة عقب منافسة حادة استمرت أسابيع، تقدمت فيها نتفليكس بعرض ناهز 28 دولارا للسهم، متفوقة على باراماونت سكايدانص التي حاولت الاستحواذ على كامل مجموعة وورنر براذرز ديسكوفري.
وسيتيح هذا الاتفاق لنتفليكس الوصول إلى مكتبة ضخمة تراكمت على مدى قرن من الزمن، تضم عناوين كبرى مثل "Game of Thrones" و"Harry Potter" وشخصيات دي سي الشهيرة من بينها باتمان وسوبرمان. وأكد ساراندوس أن الشركتين ستسهمان معا في صياغة ملامح قرن جديد من صناعة القصص، مذكرا بتصريح سابق له مفاده أن هدف نتفليكس كان أن تصبح مثل HBO أسرع مما يمكن لـ HBO أن تصبح مثل نتفليكس.
وسجل سهم وورنر براذرز ديسكوفري ارتفاعا بنسبة 3,2 في المائة إلى 25,33 دولار، بينما تراجع سهم نتفليكس بنسبة طفيفة بلغت 0,2 في المائة، وانخفض سهم باراماونت بنحو 6,1 في المائة. وذكرت تقارير إعلامية أن باراماونت قدمت عرضا بلغ 30 دولارا للسهم، غير أن هذه المعلومات لم تُؤكد بشكل مستقل.
ومن المتوقع أن تواجه الصفقة تدقيقا صارما من الهيئات التنظيمية في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، نظرا لكونها تمنح أكبر منصة بث في العالم ملكية منافس رئيسي يضم خدمة HBO Max ويستقطب نحو 130 مليون مشترك. وحذر خبراء ومسؤولون في القطاع من أن الصفقة قد تواجه مقاومة من بعض أوساط هوليوود ومن نقابات مهنية تخشى من تداعياتها، في حين اعتبر محللون أن HBO، بوصفها جوهرة الإنتاج الإبداعي، قد تصبح مكشوفة داخل هيكل نتفليكس رغم تاريخها الطويل مع ملاك صعبي المراس.
وأثار مسؤولون في الكونغرس مخاوف بشأن تأثير الصفقة المحتمل على المستهلكين وصناعة الترفيه، بينما اعتبرت منظمات تمثل دور العرض السينمائي أن هذه الخطوة تشكل تهديدا غير مسبوق لصناعة السينما العالمية. وفي محاولة لطمأنة الأطراف المتخوفة، قالت نتفليكس إن الصفقة ستمنح المشتركين محتوى أكثر، وستعزز الإنتاج المحلي داخل الولايات المتحدة، وستوفر فرصا أكبر للخبرات الإبداعية. كما أكدت أنها تدرس إمكان دمج خدماتها مع HBO Max في عرض موحد يخفض التكلفة على المشتركين.
وتؤكد الشركة أنها ستواصل عرض أفلام وورنر براذرز في دور السينما، في خطوة تهدف إلى تبديد المخاوف بشأن احتمال تقليص حضور الإنتاج السينمائي لصالح البث الرقمي. ويرى محللون أن الصفقة ستخضع لتدقيق شديد في ظل البيئة التنظيمية الحالية، خصوصا في ظل استمرار باراماونت في السعي نحو الاستحواذ على وورنر براذرز ديسكوفري.
وبموجب شروط الاتفاق، سيحصل المساهمون في وورنر براذرز ديسكوفري على 23,25 دولار نقدا وقرابة 4,50 دولارات من أسهم نتفليكس عن كل سهم، ما يرفع قيمة الشركة إلى 72 مليار دولار، أو ما يعادل 82,7 مليار دولار عند احتساب الديون. وتمثل هذه القيمة علاوة تفوق 121 في المائة مقارنة بسعر إغلاق السهم في 10 شتنبر، قبل ظهور أولى التقارير حول احتمال البيع. ومن المرتقب إتمام الصفقة بعد فصل وحدة الشبكات العالمية "ديسكوفري غلوبال" وتحويلها إلى شركة مدرجة بشكل مستقل خلال الربع الثالث من 2026.
وقدمت نتفليكس التزاما بدفع رسوم استرجاع تبلغ 5,8 مليار دولار في حال تعثر الصفقة، بينما ستدفع وورنر براذرز ديسكوفري 2,8 مليار دولار إذا تراجعت عن الاتفاق. وتتوقع نتفليكس تحقيق وفورات سنوية تتراوح بين 2 و3 مليارات دولار بحلول السنة الثالثة بعد إتمام الصفقة.
ويرى محللون أن حافز نتفليكس وراء هذه الخطوة هو تأمين حقوق طويلة الأمد لأعمال ناجحة والحد من اعتمادها على الاستوديوهات الخارجية، خصوصا في وقت تبحث فيه عن مسارات نمو جديدة بعد التوسع في قطاع الألعاب. وتأتي هذه التحركات في سياق تباطؤ نسبي في نمو الشركة، بالتزامن مع توقفها عن نشر أرقام المشتركين واعتمادها على فئة الاشتراك بالإعلانات لتوسيع قاعدة زبنائها. غير أن خبراء يشيرون إلى أن استحواذ نتفليكس على وورنر براذرز قد يعزز رهاناتها في قطاع الألعاب، لاسيما وأن الشركة المالكة لـ"Harry Potter" حققت نجاحات كبيرة في هذا المجال من خلال لعبة "Hogwarts Legacy" التي تجاوزت إيراداتها مليار دولار.