الاثنين، 15 ديسمبر 2025

مشروع ضخم ضمن ميناء الناظور غرب المتوسط يضع المغرب على أعتاب تحول طاقي تاريخي


يستعد المغرب لتحول كبير في منظومته الطاقية مع تقدمه في تنفيذ مشروع استراتيجي لإحداث منصة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال بكلفة تقارب مليار دولار. وسيقام هذا المركز بمحطة "الناظور غرب المتوسط" البحرية العميقة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، في إطار رؤية ترمي إلى تقليص الاعتماد على المحروقات الأكثر تلويثا. وقد أطلق المغرب طلب عروض لاقتناء وحدة عائمة للتخزين وإعادة الغاز إلى حالته الطبيعية، كما يبحث عن شركاء لإنجاز أنابيب تربط الميناء بالمناطق الصناعية. ومن شأن هذه الخطوات أن تجعل المملكة فاعلا أساسيا في سوق الغاز الطبيعي المسال وتعزز أمنها الطاقي وتقلص انبعاثاتها الكربونية بشكل ملموس.

وتطمح الحكومة إلى رفع حجم واردات الغاز الطبيعي المسال من مليار ومئتي مليون متر مكعب إلى اثني عشر مليار متر مكعب بحلول سنة ألفين وثلاثين، في إطار استراتيجية تهدف إلى تعويض المحروقات الملوثة وتعزيز بدائل الغاز بعد توقف الإمدادات الجزائرية نتيجة الخلاف الدبلوماسي. وسيضطلع ميناء "الناظور غرب المتوسط" بدور محوري في هذا المسار.

وتقدر وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة كلفة الوحدة العائمة بنحو مئتين وثلاثة وسبعين مليون دولار، فيما يتطلب إنشاء الأنابيب استثمارات تقارب ستمئة وواحدا وثمانين مليون دولار. وسترتبط هذه الشبكة بخط أنابيب المغرب - أوروبا لإتاحة استيراد الغاز من القارة الأوروبية، كما يمكن أن تمهد لبرامج مستقبلية في مجال الهيدروجين الأخضر وطنيا ودوليا.

وتخطط المملكة لاستثمار مليار ونصف دولار في البنيات التحتية المرتبطة باستيراد الغاز الطبيعي المسال، بهدف وقف الاعتماد على الفيول والفحم في الاستعمالات الصناعية. كما يتم ضخ نحو ملياري دولار في بناء محطات كهربائية عاملة بالغاز، ما سيضاعف إنتاج الكهرباء من هذا المورد ثلاث مرات. وإلى جانب أثره البيئي، يرتقب أن يساهم هذا الورش في تحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل واستقطاب استثمارات أجنبية، بينما يمنح الموقع الاستراتيجي لميناء الناظور آفاقا لتحويل المغرب إلى منصة طاقية موجهة نحو أوروبا ومنطقة شمال إفريقيا.

وفي موازاة ذلك، يواصل المغرب تعزيز موقعه في الطاقات المتجددة، إذ تتوقع السلطات استثمارات تقارب أحد عشر مليار دولار لإضافة اثني عشر فاصل خمسة جيغاواط من القدرات الجديدة ما بين ألفين وخمس وعشرين وألفين وثلاثين، خاصة في مجالي الطاقة الشمسية والريحية مدعومة بسعات تخزين كهربائية. ويؤكد المتخصص رشيد الناصيري، مدير مبادرة "إيمال" للمناخ والتنمية، أنّ دور الغاز في تعويض الفحم سيبقى محدودا مقارنة بحجم المشاريع المتجددة المرتقبة، بينما تراهن المملكة على تحقيق إزالة الكربون بحلول سنة ألفين وخمسين عبر التخلص التدريجي من الفحم وتعزيز الحصص الطاقية النظيفة.

ومع ذلك، يواجه هذا الورش تحديات تتعلق بتعبئة التمويل والتكنولوجيا واليد العاملة المؤهلة، إضافة إلى المخاطر الجيوسياسية التي قد تؤثر في استقرار واردات الغاز. وقد دخلت طلبات العروض الخاصة بالوحدة العائمة والأنابيب مراحلها المتقدمة، حيث ينتظر فتح الأظرفة في بداية فبراير، والإعلان عن اللائحة المختارة مسبقا لإنجاز الأنابيب في الفترة نفسها، ما يعكس التزام الحكومة بالمضي قدما في تنفيذ هذه المشاريع.

ومع تقدم المغرب في برامج الغاز الطبيعي المسال والطاقات المتجددة، تستعد المملكة لتولي دور محوري في السوق الطاقية الإقليمية. ويعتمد نجاح هذه الاستراتيجية على قدرة البلاد على تجاوز التحديات المطروحة وتحقيق التوازن بين أمن الإمدادات والانتقال نحو نموذج طاقي أكثر استدامة.