الخميس، 21 أغسطس 2025

مقاومة الاحتلال حق لا يسقط بالتقادم


أثناء تجوالك في مدينة الدار البيضاء، وغيرها من مدن المغرب، وككل المدن في العالم، لابد أن تجد نفسك في شارع أو زقاق أو ممر أو ساحة تحمل اسم مقاوم أو جندي، تحتفظ الذاكرة الجماعية في البلاد ببطولته وتتغنى بما قدمه في سبيل حرية البلاد وانعتاقه من رقبة الاحتلال، كما تحتفل في كل سنة الدول التي تخلصت من الاحتلال بتاريخ استقلالها.
 
لكن الغريب أن يصبح هذا الفعل البطولي المتمثل في الدفاع عن حرية الوطن ودفاع المرء عن أراضيه وعائلته من بطش الاحتلال الاستعمار الظالم من حق طبيعي في المقاومة والدفاع عن النفس إلى جريمة وإدانة من قلة قليلة، يناصرون الظالم على المظلوم، ويزيدون من جلد الضحية، في الوقت الذي يعطون الحق والباطل معا للجلاد ليزيد من بطشه وجبروته، كما هو الشأن حاليا بارتفاع أصوات نشاز تتحدث عن حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، وأن المقاومة الفلسطينية هي التي جنت على نفسها وعلى المواطنين الفلسطينيين بما تقوم به من أفعال المقاومة، وأن سحب سلاحها وخضوعها إلى الاحتلال هو السبيل الوحيد لسلامتها وسلامة وبقاء الشعب الفلسطيني، غاضين الطرف عن أن الاحتلال الاسرائيلي الوحشي لا يفرق بين مقاوم ومسالم، ولا حتى بين شجر ولا حجر، جاحدين على أصحاب الأرض حق المقاومة وحق الدفاع عن النفس وحوزة الوطن وحق تقرير المصير.
 

ففي خضم النزاعات العالمية والاحتلالات التي ما زالت قائمة إلى اليوم، يظل حق الشعوب في مقاومة الاحتلال من أكثر المواضيع حساسية وإثارة للجدل على الساحة الدولية. ورغم ما يثار من اتهامات بالإرهاب تجاه حركات التحرر، فإن القانون الدولي وضع أسسا واضحة تشرعن المقاومة المشروعة وتفصلها عن ممارسات العنف غير المبررة.

من هنا سنقوم بجرد لمجمل ما جاء في المواثيق الدولية التي تساند الحق في المقاومة ومجابهة الاحتلال، لعلها توقظ بعض الضمائر الميتة والنفوس الخربة، حتى لا تجحد على الناس حتى الرغبة في العيش في كرامة إنسانية، والحرية على أرض وطنية، وتحت سقف سماء لا تمطرهم بالقنابل لمجرد نزعات استعمارية أو فكرة دينية بائدة تحريفية.

ميثاق الأمم المتحدة... لبنة الشرعية الأولى

بدوره يشكل ميثاق الأمم المتحدة (1945) المرجع القانوني الأعلى للنظام الدولي، وعلى الرغم من أن الميثاق لم ينص صراحة على "مقاومة الاحتلال"، إلا أنه أرسى قاعدة ذهبية في مادته الأولى بالتنصيص على حق الشعوب في تقرير مصيرها ومقاومة استخدام القوة الذي يمس باستقلالها. وهذا يفتح الباب أمام تفسير مشروع لحق الشعوب في الدفاع عن حريتها إذا تعرضت للاحتلال العسكري أو الاستعمار.

الحق في تقرير المصير... حجر الزاوية

في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، نجد النص الواضح والصريح في مادته الأولى:" لكل الشعوب الحق في تقرير مصيرها بنفسها..." وهو ما يضع الاحتلال والاستعمار في خانة انتهاك لهذا الحق الأساسي، ويمنح الشعوب شرعية النضال بكل السبل المشروعة لاستعادة حريتها.

لكن الغريب أن اعتراف المنتظم الدولي بهذا العهد أصبح محط استهزاء وسخرية ممن يداهنون الاستعمار والاحتلال ويشرعنون له جرائمه، ومجرد عبارات منمقة يلوكها المجتمع الدولي، الذي يغض الطرف عن جرائم الحرب التي تحدث أمام مرأى عينيه، ويجحدها في وجه حركات التحرر والمقاومة إدانة واتهاما.

قرارات أممية تدعم الكفاح المسلح

تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة هي الأخرى عدة قرارات محورية تُعَد بمثابة دعم مباشر لحركات المقاومة. من أبرزها:

• القرار 1514 (1960): أعلن أن الاستعمار شكل من أشكال إنكار حقوق الإنسان، ويجب تصفيته.
• القرار 2625 (1970): أقر بشرعية لجوء الشعوب الخاضعة للاحتلال إلى النضال بكل الوسائل المشروعة، بما في ذلك الكفاح المسلح.
• القرار 3236 (1974): أكد حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بجميع الوسائل الممكنة، معتبرا ذلك حقا غير قابل للتصرف.

هذه القرارات تعكس إجماعا دوليا أخلاقيا وقانونيا على شرعية مقاومة الاحتلال، شريطة أن تحترم هذه المقاومة قواعد القانون الدولي الإنساني.

المقاومة في اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية

لا يمكن تجاهل الدور الذي تلعبه اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 في تقنين الوضع القانوني للمقاتلين. فالاتفاقية الثالثة، على سبيل المثال، تعترف بوجود "حركات مقاومة منظمة" وتمنح أعضاءها صفة "أسرى حرب" إذا استوفوا شروطا معينة، مثل حمل السلاح علنا واحترام قوانين الحرب.

أما البروتوكول الإضافي الأول (1977) فقد شكل نقلة نوعية، حين اعترف بأن:

"نزاعات الشعوب الواقعة تحت الاحتلال أو السيطرة الاستعمارية تُعَد نزاعات دولية". وهو ما يضفي شرعية دولية على أعمال المقاومة ضد الاحتلال.

القانون العرفي الدولي... مساندة متزايدة

إلى جانب النصوص المكتوبة، هناك إجماع عرفي متزايد في القانون الدولي على أن مقاومة الاحتلال تشكل جزءا لا يتجزأ من ممارسة حق تقرير المصير، وهذا ما يجعل اتهام المقاومين بـ"الإرهاب" أمرا مرفوضا إن لم يقترن بأدلة على خرقهم لقوانين الحرب أو ارتكابهم انتهاكات جسيمة تتعلق بالقانون الدولي الإنساني.

بين المقاومة والإرهاب... خيط رفيع

يبقى التحدي في تمييز المقاومة المشروعة عن الإرهاب يعتمد على النظرية الشخصية لكل إنسان، وما يواليه، ويما يميل إليه، فانتماء شخص لدولة مُستعمِرة قد يوجد له من المبررات أنه يساند دولته في قراراتها واجرائمها وقد يكون مشاركا فيها. 

لكن ما بال ذلك الذي لا هو مُستعمِر ولا هو مستعمَر يساند محتلا غاشما في جرائمه الحربية ضد العزل من الأطفال والمسنين الذين لا يحملون سلاحا مع حقهم في ذلك، ولا يريدون أبدا التمييز بين الحق في المقاومة وبين ما يعتبرونه إرهابا، نتساءل حقا عن قيمة ما باعوا به ضمائرهم وإنسانيتهم، حتى أصبحوا لا يميزون أشياء بهذه البساطة وباعتراف القانون الدولي الواضح بأن : المقاومة مشروعة ما دامت تستهدف المحتل العسكري وتلتزم بالمعايير الأخلاقية والقانونية، مثل تجنّب المدنيين واحترام القانون الإنساني. أما استهداف الأبرياء، أو استخدام أساليب العنف العشوائية، فهو خروج عن إطار الشرعية مهما كانت القضية عادلة.

ومن ثم، فإن الدفاع عن الأرض والاستقلال حق طبيعي وإنساني، بل هو أيضا حق قانوني دولي، يجب أن يُصان ويُمارس في حدود الضوابط الأخلاقية. ففي زمن تتعدد فيه أشكال الهيمنة والسيطرة، تبقى مقاومة الاحتلال المشروعة صوتا للحرية وكرامة الإنسان، وشاهدًا على عدالة لا تموت، ولا تسقط بالتقادم، مهما طال زمن القهر.