وقعت أذربيجان وأرمينيا يوم الجمعة اتفاق سلام برعاية الولايات المتحدة خلال اجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين بعد عقود من الصراع، ويمهد الطريق نحو تطبيع كامل للعلاقات. ويُعد هذا الاتفاق، إذا ما تم الالتزام به، إنجازا مهما لإدارة ترامب، من شأنه إزعاج موسكو التي تعتبر منطقة جنوب القوقاز ضمن نطاق نفوذها.
وقال ترامب خلال مراسم التوقيع في البيت الأبيض، بحضور الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان: "لقد حاربوا لفترة طويلة، 35 سنة، والآن أصبحوا أصدقاء، وسيظلون أصدقاء لفترة طويلة". وتعود جذور الخلاف بين البلدين نهاية ثمانينيات وبداية تسعينات القرن الماضي عندما انفصل إقليم ناغورنو كاراباخ، وهو منطقة جبلية في أذربيجان ذات غالبية أرمينية، بدعم من يريفان. وفي عام 2023 استعادت أذربيجان السيطرة الكاملة على الإقليم، ما دفع نحو 100 ألف من الأرمن المقيمين هناك إلى النزوح إلى أرمينيا.
وأوضح ترامب أن البلدين التزما بوقف القتال، وفتح قنوات دبلوماسية، واحترام وحدة أراضي كل منهما. ويتضمن الاتفاق منح الولايات المتحدة حقوق تطوير حصرية لممر عبور استراتيجي في جنوب القوقاز، قالت واشنطن إنه سيسهّل زيادة صادرات الطاقة والموارد الأخرى. كما وقعت الولايات المتحدة اتفاقات منفصلة مع كل من باكو ويريفان لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والتجارة والتكنولوجيا، بما فيها الذكاء الاصطناعي، من دون الكشف عن تفاصيلها. وفي الإطار ذاته، رُفعت القيود على التعاون الدفاعي بين واشنطن وباكو، وهو ما قد يثير قلق موسكو.
وأشاد علييف وباشينيان بدور ترامب في إنهاء النزاع، وأعلنا عزمهما ترشيحه لجائزة نوبل للسلام. ويسعى ترامب، في أشهره الأولى من ولايته الثانية، لتقديم نفسه كوسيط سلام عالمي، إذ سبق أن توسط في وقف إطلاق النار بين كمبوديا وتايلاند، وأبرم اتفاقات سلام بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وباكستان والهند. ومع ذلك، لم يتمكن بعد من إنهاء حرب روسيا المستمرة منذ ثلاثة أعوام ونصف في أوكرانيا، أو الصراع بين إسرائيل وحماس في غزة، معلنا أنه سيلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا في 15 غشت للعمل على إنهاء حرب أوكرانيا.
وبحسب مسؤولين أميركيين، تم التوصل إلى الاتفاق بعد زيارات متكررة للمنطقة، ويشكل أساسا للعمل نحو تطبيع كامل للعلاقات. ويرى مراقبون أن الاتفاق قد يغير ملامح جنوب القوقاز، وهي منطقة غنية بالطاقة تجاور روسيا وأوروبا وتركيا وإيران، وتخترقها خطوط أنابيب النفط والغاز لكنها تعاني من حدود مغلقة وصراعات إثنية متجذرة.
ورحبت إيران بالاتفاق واعتبرته خطوة مهمة نحو سلام دائم في المنطقة، لكنها حذرت من أي تدخل أجنبي قرب حدودها قد يهدد أمن المنطقة واستقرارها. وأكدت وزارة الخارجية الإيرانية، في بيان على منصة X، استعداد طهران للتعاون مع البلدين عبر قنوات ثنائية وأطر إقليمية.
وقال مسؤولون أمريكيون كبار إن الاتفاق يمثل نهاية أول نزاع طويل الأمد على أطراف روسيا منذ نهاية الحرب الباردة، ويوجه رسالة قوية للمنطقة بأكملها. وتخطط أرمينيا لمنح الولايات المتحدة حقوق تطوير خاصة وحصرية للممر لفترة طويلة، وهو ما جذب بالفعل اهتمام تسع شركات، بينها ثلاث أميركية، بحسب مسؤول أميركي.
ويفتح هذا الاتفاق الباب لترامب وإدارته من أجل محاولة التدخل لإنهاء نزاعات أخرى عبر العالم، في مسار رغبته الظفر بجائزة نوبل للسلام.