الأربعاء، 10 ديسمبر 2025

إلغاء صفقة دراسة القطاع الصحي: شبهة تضارب المصالح تكشف الحاجة لتعزيز الشفافية وآلية الحكامة


قررت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها إلغاء طلب العروض المفتوح الخاص بدراسة القطاع الصحي، بعد تأكيد وجود شبهة تضارب مصالح، وذلك إثر تحقيق صحفي كشف ممارسات مشكوك فيها أثارت تساؤلات حول نزاهة العملية.

وتكشف هذه الواقعة عن تحديات كبيرة تواجه إدارة الصفقات العمومية في القطاعات الحيوية، خصوصا الصحة، التي ترتبط مباشرة بحق المواطنين في الحصول على خدمات نوعية. ويعد تضارب المصالح من أهم المخاطر التي قد تؤثر على جودة الدراسات والقرارات المرتبطة بها، بما في ذلك توجيه الموارد العامة بشكل غير فعال أو غير عادل.

وتتجلى هذه المخاطر على مراحل متعددة من الصفقة. في مرحلة إعداد طلب العروض، قد يؤدي غياب معايير واضحة أو وجود مصالح متداخلة إلى تحيز محتمل لمقاولين أو خبراء محددين، مما يقلل من فرص اختيار الأنسب.

أما في مرحلة الفحص والتقييم، فإن وجود تضارب مصالح في لجان التقييم قد يؤثر على نتائج الدراسة ويهدد نزاهة العملية، فيما قد يؤدي التوقيع على العقد مع طرف له مصالح متداخلة إلى تأثير مستمر على تنفيذ المشروع وجودة مخرجاته. أما غياب آلية تدقيق ومتابعة قوية ومستقلة، فيزيد من صعوبة اكتشاف التجاوزات بعد وقوعها، ويبرز الحاجة لرقابة مبكرة وشاملة في جميع المراحل.

يلعب الإعلام والرقابة المجتمعية دورا محوريا في كشف التجاوزات وتعزيز المساءلة، كما يوضح التحقيق الصحفي الأخير الذي دفع الهيئة إلى اتخاذ قرار الإلغاء. وتعكس هذه الواقعة ضرورة تطوير آلية الحكامة داخل المؤسسات العمومية، من خلال وضع معايير دقيقة لاختيار المستشارين، وإلزام ذوي العلاقة بالإفصاح عن مصالحهم، وتعزيز الشفافية ونشر نتائج التقييم والمراقبة بشكل واضح للمواطنين والجهات المعنية.

وتؤكد هذه الحادثة أن الشفافية والمصداقية في الصفقات العمومية ليست خيارات شكلية، بل شروط أساسية لضمان كفاءة القطاع العام، وبناء ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، وتحقيق استدامة الخدمات الحيوية من خلال آلية حكامة متينة وواضحة تحمي المال العام وتضمن جودة القرارات والخدمات المقدمة.