الخميس، 21 أغسطس 2025

سوريا تشتعل من جديد: صراع في السويداء وتدخلات دولية تكشف هشاشة الوضع


اتهم الرئيس السوري أحمد الشرع، يوم الخميس، إسرائيل بالسعي إلى تفكيك وحدة سوريا، متعهدا بحماية الأقلية الدرزية، وذلك عقب تدخل أمريكي أسفر عن وقف المواجهات الدامية بين القوات الحكومية ومقاتلين دروز في الجنوب. وقد انسحبت القوات الحكومية خلال الليل من مدينة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، بعد أيام من الاشتباكات العنيفة التي خلفت عشرات القتلى، وسط روايات مروعة عن فظائع ارتكبت خلال المواجهات. وذكر الصحفي المحلي ريان معروف، من منصة "السويداء 24"، أنه أحصى أكثر من 60 جثة في شوارع المدينة صباح الخميس، مضيفا في تسجيل صوتي لوكالة "رويترز" أنه عثر على عائلة من 12 فردا قتلوا داخل منزلهم، بينهم نساء ورجل مسن، مؤكدا أن "الناس يبحثون عن جثث أحبائهم".

وتصاعدت حدة العنف بشكل لافت يوم الأربعاء، عندما شنت إسرائيل غارات جوية على دمشق وضربات استهدفت القوات الحكومية في الجنوب، مطالبة بانسحابها، ومعلنة أن تدخلها يهدف إلى حماية الطائفة الدرزية في سوريا. وتعد هذه الغارات امتدادا لسياسة إسرائيل العسكرية تجاه سوريا منذ عهد الرئيس السابق بشار الأسد، إلا أن وتيرتها تسارعت هذا العام مع وصف إسرائيل للقيادة الجديدة في دمشق بأنها واجهة متخفية لتنظيمات جهادية، وتأكيدها رفض أي تمركز لقوات موالية لها قرب الحدود في الجنوب السوري.

وفي خطاب موجه للسوريين، قال الشرع إن إسرائيل استهدفت استقرارنا منذ سقوط النظام السابق، وتسعى الآن إلى تفكيك وحدتنا الوطنية. وأضاف أن حماية المواطنين الدروز وحقوقهم تشكل "أولوية قصوى"، رافضا أي محاولة لجرهم إلى مشاريع "أطراف خارجية". كما تعهد بمحاسبة من ارتكبوا انتهاكات في حق أبناء الطائفة الدرزية خلال الأحداث الأخيرة.

من جهته، أعلنت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن عدد القتلى خلال أربعة أيام من القتال بلغ 193 شخصا، بينهم نساء وأطفال وعاملون في القطاع الصحي، مشيرة إلى أن الحصيلة تشمل حالات إعدام ميداني من كلا الجانبين، إضافة إلى قتلى نتيجة القصف الإسرائيلي والمواجهات المباشرة. وقال رئيس الشبكة، فضل عبد الغني، إن تفصيل الأرقام حسب كل فئة سيستغرق وقتا.

ورصد شهود عيان مشاهد نهب وحرق لمنازل في السويداء من طرف مقاتلين حكوميين قبل انسحابهم، كما سجل حلق شوارب رجال دروز، وهي ممارسة لها دلالات ثقافية وروحية لدى الطائفة، إذ يعتبر الشارب رمزا لهوية دينية ومكانة اجتماعية.

في المقابل، قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو مساء الأربعاء إن الولايات المتحدة أجرت اتصالات مع كافة الأطراف وتم التوصل إلى خطوات لإنهاء هذا الوضع المقلق والمرعب، فيما أعرب الشرع عن امتنانه للوساطة الأمريكية والعربية والتركية، مشيرا إلى أن الجهود الثلاثية أنقذت المنطقة من مصير مجهول. من جهته، أكد مصدر أمني تركي أن أنقرة لعبت دورا محوريا في التوصل إلى وقف إطلاق النار.

هذه التطورات تسلط الضوء على التحديات الجسيمة التي يواجهها الشرع في مساعيه لتثبيت الاستقرار وبسط سيطرة سلطة مركزية في البلاد، رغم تقاربه المتنامي مع الولايات المتحدة وتطوره التدريجي في قنوات التواصل مع إسرائيل. لكن رغم هذه الانفتاحات، لا تزال هواجس الشك المتبادل قائمة بين مكونات سورية مختلفة، لاسيما الأقليات التي تخشى من طغيان الطابع الإسلامي في الحكم. وقد ازدادت هذه المخاوف بعد عمليات القتل الجماعي التي استهدفت أبناء الطائفة العلوية في مارس الماضي، وهو ما عمق فجوة الثقة بين مكونات المجتمع السوري.

الغارات الإسرائيلية التي وقعت الأربعاء أسفرت عن تدمير جزء من مبنى وزارة الدفاع السورية، كما استهدفت مواقع قرب القصر الرئاسي في دمشق. وصرح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، قائلا: "لن نسمح بتحول جنوب سوريا إلى بؤرة إرهابية". ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا طارئا الخميس لمناقشة التصعيد، حيث طالب السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، بإدانة الجرائم الوحشية ضد المدنيين الأبرياء على الأراضي السورية، مشددا على أن بلاده ستواصل التحرك بحزم ضد أي تهديد إرهابي على حدودها، في أي مكان وزمان.

وفي تصعيد ميداني لافت، تمكن العشرات من المواطنين الدروز داخل إسرائيل من عبور السياج الحدودي والالتحام بمجموعات درزية على الجانب السوري، ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى دعوة مواطنيه من الدروز إلى عدم اجتياز الحدود، فيما أكدت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أنها تعمل على تأمين عودة المدنيين الذين عبروا الخط الفاصل.