الخميس، 21 أغسطس 2025

بعد أن كان مصدرا للفخر، المجتمع المدني في تونس يقاوم من أجل البقاء


في مايو 2024، ألقت قوى الأمن التونسية القبض على الناشطة التونسية شريفة الرياحي بعد شهرين فقط من وضع مولودتها، بتهمة إيواء مهاجرين غير نظاميين. وبعد أكثر من عام، لا تزال رهن الاعتقال دون توجيه تهم رسمية، لتتحول قضيتها إلى رمز لحملة القمع المتسارعة التي تستهدف المجتمع المدني في تونس تحت حكم الرئيس قيس سعيد.

الرياحي، التي تترأس جمعية تعنى بتقديم المأوى والغذاء والرعاية الصحية للاجئين والمهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، انتُزعت من أحضان طفلتيها في لحظة وصفتها عائلتها بالصادمة والمروعة. وتقول والدتها، فريدة، التي ترعى حاليا الطفلين في منزلهم بـ"المرسى" قرب العاصمة تونس، إن الاعتقال تم بينما كانت ابنتها ترضع طفلتها، مضيفة أن الرضيعة لم تعد تتعرف على والدتها.

شريفة ليست الوحيدة، بل هي واحدة فقط من أكثر من اثني عشر ناشطا في المجتمع المدني جرى اعتقالهم منذ استفراد قيس سعيد بالسلطة في 2021، حين حل البرلمان وبدأ الحكم بالمراسيم الرئاسية. تونس، التي كانت تعتبر يوما قصة نجاح بعد الربيع العربي، تشهد اليوم تآكلا للمكتسبات الديمقراطية التي راكمتها خلال عقد تقريبا. حيث تؤكد منظمات حقوقية أن ما لا يقل عن عشر مؤسسات مدنية جُمدت أصولها وتعرضت مكاتبها للمداهمة، بينما تواجه أخرى تضييقا متزايدا في التمويل، والتنقل، ونطاق العمل.

من بين أكثر المتضررين منظمة "أنا يقظ"، وهي هيئة رقابة بارزة على الفساد تأسست بعد انتفاضة 2011. مكاتب المنظمة التي كانت تعج بالنشاط أصبحت شبه فارغة. إذ قال رئيسها، وجدي بلومي، إنهم يُعاملون الآن كأعداء، مشيرا إلى تحقيقات متصاعدة، ومعاملات مصرفية معطلة، وحجوزات فندقية تلغى بسبب ضغوط غير رسمية. ولأول مرة، مُنعت المنظمة العام الماضي من مراقبة الانتخابات بذريعة تلقي تمويل أجنبي.

الرئيس سعيد يكرر اتهاماته بأن منظمات المجتمع المدني تخدم أجندات أجنبية وتهدد وحدة البلاد، مؤكدا أنه ليس بصدد التحول إلى ديكتاتور، متعهدا بحماية الحريات والديمقراطية، لكنه في الوقت نفسه يحذر من الفوضى والتدخلات الخارجية.

ويأتي هذا التصعيد في وقت تعيد فيه تونس تموضعها الدبلوماسي، خصوصا فيما يتعلق بملف الهجرة. ففي 2023، وهو العام نفسه الذي وصف فيه سعيد الهجرة غير النظامية بأنها "مؤامرة" لتغيير التركيبة الديمغرافية للبلاد، أبرمت حكومته اتفاقا مع الاتحاد الأوروبي لوقف تدفق المهاجرين نحو أوروبا. ومنذ ذلك الحين، شنت السلطات حملات لتفكيك ملاجئ عشوائية وترحيل المهاجرين قسرا، في إطار الحملة التي أوقفت على إثرها الناشطة شريفة الرياحي.

ويرى مراقبون أن استهداف المجتمع المدني يأتي كجزء من حملة ممنهجة. حيث أكد رمضان بن عمر، من المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن ما يجري ليس حادثا عرضيا بل حلقة ضمن خطة أوسع لإغلاق المجال المدني وتقويض الانفتاح الديمقراطي الذي بناه التونسيون بعد 2011. وأضاف أنه تلقى تهديدات مجهولة تشير إلى أطفاله وتفاصيل حياته اليومية، مشيرا إلى أن الناس بدأت تردد بأنه يجب التخلص من هذا الرجل.

وتعرف تونس تراجعا في منسوب الحريات والحقوق الذي تسرب إلى البلاد إبان ثورات الربيع العربي، حيث كان ينظر لها بأنها التجربة الأكثر نجاحا في المنطقة في ما يخص الانتقال الديمقراطي.