غيب الموت مساء اليوم النقيب الطيار صالح حشاد، أحد أبرز الناجين من معتقل تزممارت، بعد مسيرة حافلة طبعتها التضحية والمعاناة، ليترجل رمز آخر من رموز الذاكرة الجماعية المغربية الذين وثقوا بصدق ومرارة حقبة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
ولد صالح حشاد في خمسينيات القرن الماضي، والتحق مبكرا بسلاح الجو الملكي، حيث برز كطيار مقاتل ضمن جيل من الضباط الشباب الذين حملوا آمالا كبيرة في بناء المغرب المستقل. غير أن مشاركته، مع ثلة من رفاقه، في محاولة الانقلاب الثانية سنة 1972 بقيادة الجنرال محمد أوفقير، قلبت مسار حياته رأسا على عقب. فقد انتهت المحاولة بالفشل، لتفتح أبواب الجحيم على العشرات من الضباط، وكان حشاد بينهم.
حُكم عليه بالسجن ونُقل إلى معتقل تزممارت السري، حيث قضى ما يزيد عن 18 سنة في ظروف غير إنسانية، عانى خلالها من الجوع والبرد والمرض والعزلة التامة. وقد تحولت زنزانته الضيقة إلى قبر حي، لكنه ظل يقاوم بشجاعة حتى خروجه سنة 1991، بعد ضغوط حقوقية داخلية ودولية مكثفة.
بعد استعادته الحرية، لم يتردد حشاد في كسر جدار الصمت، مساهما في شهادات مكتوبة ومرئية كشفت للرأي العام تفاصيل المأساة، وأسهمت في ترسيخ الوعي بأهمية العدالة الانتقالية والذاكرة الجماعية. وظل يؤكد أن رواية الناجين ليست مجرد سرد للآلام، بل وصية للأجيال من أجل عدم تكرار الماضي.
برحيله، يفقد المغرب واحدا من آخر الشهود الأحياء على مأساة تزممارت، لكن إرثه سيبقى حاضراً في الذاكرة الوطنية، باعتباره عنوانا على الصمود ومقاومة النسيان، ودرسا بليغا في قيمة الحرية والكرامة الإنسانية.