الأربعاء، 10 ديسمبر 2025

الجزائر: تعديل حكومي تحت ضغط الداخل ومخاطر الخارج 


أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تعديلا حكوميا واسعا شمل قطاعات حيوية، وهو تعديل لا يمكن قراءته بمعزل عن الأزمة الداخلية المتصاعدة من جهة، والتحولات الإقليمية والدولية من جهة ثانية.

في الداخل، تواجه الجزائر موجة من التوترات الاجتماعية والاقتصادية. الاحتجاجات على تدهور الخدمات الصحية وغلاء الأسعار وارتفاع نسب البطالة تكشف عن حالة من الغليان الشعبي. لذلك، لم يكن مستغربا أن يمنح تبون أولوية لقطاعات حساسة مثل الصحة، التربية، والشباب، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي وتوجيه رسالة بأن الدولة واعية بمطالب الشارع. توزيع وزارة التجارة إلى قطاعين داخلي وخارجي، وإسناد حقيبة الصحة إلى وجه جديد، كلها إشارات إلى رغبة السلطة في معالجة أزمات المعيش اليومي قبل أن تتحول إلى تهديد سياسي.

أما على مستوى التوازنات الداخلية، فتكليف السعيد شنقريحة بصفة وزير منتدب لدى وزير الدفاع الوطني مع احتفاظه برئاسة الأركان يعكس استمرار الدور المركزي للمؤسسة العسكرية في ضبط توازن النظام. هذا يعكس أيضاً قناعة لدى الرئاسة بأن أي إصلاح أو استقرار لن يتم بمعزل عن الجيش.

في المقابل، تعكس التعيينات الجديدة في حقائب الخارجية والمحروقات والتجارة الخارجية إدراك الجزائر بأن المتغيرات الدولية تفرض إعادة ترتيب أوراقها. فمع تصاعد التنافس على النفوذ في إفريقيا بين القوى الكبرى، واشتداد الضغط الأوروبي للحصول على بدائل للغاز الروسي، تسعى الجزائر إلى تعزيز موقعها كفاعل إقليمي محوري. إبقاء أحمد عطاف مع منحه صلاحيات موسعة للشؤون الإفريقية والجالية الوطنية يترجم هذا التوجه الدبلوماسي، في وقت تتحرك فيه الرباط وتونس بفاعلية على الساحة الإفريقية.

ولا تقتصر التحديات الخارجية على المنافسة الاقتصادية، بل تمتد إلى الملفات الأمنية. التوتر المتزايد في منطقة الساحل، وعودة النشاط الإرهابي في بعض المناطق، يفرضان على الجزائر تعزيز التنسيق بين الدبلوماسية والمؤسسة العسكرية. ومن هنا، يمكن فهم الجمع بين أدوار شنقريحة العسكرية والوزارية في آن واحد، ما يعكس الطابع الأمني للإصلاحات.

كما أن استحداث كتابة دولة خاصة بالمناجم يعكس وعيا بأن السباق العالمي على المعادن الاستراتيجية (كالليثيوم واليورانيوم) بات جزءا من معركة النفوذ الجيوسياسي، وأن الجزائر لا يمكنها أن تبقى متأخرة عن هذا المجال.

التعديل الحكومي الأخير ليس مجرد تغيير أسماء، بل هو محاولة للتأقلم مع ضغط الداخل الذي يفرض معالجة ملفات معيشية ملحة، ومع رهانات الخارج التي تضع الجزائر في قلب تنافس طاقي ودبلوماسي وأمني متسارع. غير أن نجاح هذه التوليفة سيبقى رهينا بقدرة الحكومة الجديدة على الانتقال من مستوى الخطاب والرمزية إلى مستوى الإنجاز الملموس، في وقت لم يعد فيه الشارع الجزائري يتسامح مع الوعود غير المتحققة.