يستعد المغرب لبناء أول مصنع ضخم للبطاريات في إفريقيا بقيمة 5.6 مليار دولار، بدعم من الشركة الصينية "غوشيون هاي-تك"، ما سيضع المملكة في قلب السباق العالمي نحو الطاقة النظيفة. حيث سيقام المشروع على مساحة واسعة بضواحي مدينة القنيطرة، ومن المقرر أن يبدأ الإنتاج في عام 2026 بطاقة أولية تبلغ 20 جيغاواط/ساعة سنويا، وهو ما يكفي لمئات الآلاف من السيارات، مع توقعات بزيادة القدرة إلى 100 جيغاواط/ساعة مستقبلا، الأمر الذي سيجعل المغرب موردا رئيسيا على الساحة الدولية.
وبالنسبة للصين، يشكل المغرب جسرا نحو أوروبا التي يتزايد فيها الطلب على البطاريات مع اقتراب حظر السيارات العاملة بالوقود الأحفوري بحلول 2035. وعلى خلاف العديد من المصانع المشابهة، سيتولى هذا المصنع إنتاج الكاثودات والأنودات، وهي مكونات أساسية للبطاريات، ما يقلل من حاجيات المغرب للاستيراد ويمنحه ميزة تنافسية في ظل سعي شركات صناعة السيارات الأوروبية لتأمين إمدادات مستقرة. ورغم أن مصدر جميع المواد الخام لم يتضح بعد، من المتوقع أن يستفيد المصنع من الموارد المحلية مثل الفوسفاط وبعض رواسب النيكل والمنغنيز، إضافة إلى إمدادات محتملة من الكوبالت والليثيوم من بلدان إفريقية أخرى.
وستستقطب المرحلة الأولى وحدها استثمارات بقيمة 1.3 مليار دولار وتوفر نحو 17 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، مع إمكانية إضافة 10 آلاف وظيفة في المراحل اللاحقة. ويأتي هذا المشروع في وقت أصبح فيه المغرب أكبر مصدر للسيارات نحو أوروبا، متفوقا على بلدان مهمة كالصين واليابان والهند سنة 2023، إذ بلغت قيمة صادرات السيارات 157 مليار درهم (15.7 مليار دولار)، مستفيدة من وجود مصانع "رونو" و"ستيلانتيس" اللذين سيشكلان من بين أول المستفيدين من إنتاج البطاريات المحلية.
بالنسبة لبيجين، يمثل هذا الاستثمار جزءا من إستراتيجية أوسع لترسيخ موقعها في مستقبل الصناعة الإفريقية. ففي المغرب وحده استثمرت الشركات الصينية أكثر من 10 مليارات دولار في مشاريع للطاقة وصناعة السيارات، إلى جانب شراكات في الموانئ والصلب وصناعة الإطارات. وعلى مستوى القارة، مولت الصين مشاريع ضخمة للبنية التحتية من داكار إلى نيروبي، وبنت مقرات الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا، وكل ذلك في إطار مبادرة "الحزام والطريق". وقد ارتفع حجم التجارة بين الصين وإفريقيا بأكثر من 700 بالمئة منذ التسعينيات، ما جعل بيجين الشريك التجاري الأول للقارة.
تقوم الصين بتسويق هذه الشراكات تحت شعار "الصداقة" و"الاحترام المتبادل"، وهو ما يعزز صورتها لدى العديد من القادة الأفارقة. الرئيس الرواندي بول كاغامي قال العام الماضي إن الصين "تتعامل مع إفريقيا بشكل متساو"، مؤكدا أن العلاقة تقوم على "الاحترام والمصالح المشتركة". هذه الصورة عززتها الوقائع اليومية: الهواتف الصينية تهيمن على الأسواق، والطرق والموانئ التي شيدتها الصين أصبحت شرايين أساسية للتجارة، وفي الدار البيضاء بات الحي التجاري الصيني جزءا من النسيج الاقتصادي للمدينة.
في المقابل، بدت السياسة الأمريكية أقل استقرارا. فإلغاء برامج تابعة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وفرض رسوم جمركية متزايدة خلال إدارة الرئيس ترامب دفع العديد من الحكومات الإفريقية للبحث عن بدائل. وعندما فرضت واشنطن رسوما بنسبة 28 بالمئة على تونس في أبريل الماضي مثلا، اعتبر باحثون أن توسيع الشراكات مع آسيا بات السبيل الوحيد لتفادي العزلة.
ورغم ذلك، تمكن المغرب من الموازنة بين تعزيز علاقاته مع الصين، والحفاظ على شراكة قوية مع الولايات المتحدة، فهو حليف رئيسي من خارج الناتو ويشارك بانتظام في تدريبات عسكرية مع الحلف، كما يسعى لاقتناء مقاتلات أمريكية متطورة. غير أن هذا التوازن قد يواجه تحديات مع تصاعد الضغوط الأمريكية في خضم الحروب التجارية.
على المستوى الإفريقي، يشكل مشروع مصنع البطاريات في المغرب نموذجا يمكن أن يلهم دولا غنية بالموارد مثل الكونغو الديمقراطية وزامبيا وزيمبابوي، عبر الانتقال من تصدير المواد الخام إلى تصنيع المنتجات النهائية محليا، ما يتيح للقارة الاستفادة بشكل أكبر من ثرواتها الطبيعية.