الأربعاء، 10 ديسمبر 2025

لغة الصفير في جبال الأطلس.. إرث مهدد بالاندثار بسبب الهجرة والجفاف


في أعالي جبال الأطلس الكبير بالمغرب، يتواصل الراعي حمو أمرواي وابنه بلغة فريدة قائمة على الصفير، تقليد شفهي عمره قرون أصبح مهددا بالاندثار بسبب الهجرة القروية. يقول حمّو، البالغ من العمر 59 عاما والمقيم بقرية إمزري التابعة لجماعة تيلوغيت بإقليم أزيلال: "لغة الصفير هي هاتفنا"، مؤكدا أن سكان المنطقة يتعلمونها بشكل طبيعي كما يتعلمون الكلام أو المشي.

هذه اللغة، المعروفة محليا باسم لغة "أسينسغ"، تعوض الكلمات بأصوات صفير حادة قادرة على الوصول إلى مسافة ثلاثة كيلومترات، ما يسهل التواصل بين الرعاة عبر الجبال. ويشرح ابنه إبراهيم (33 عاما) أن سر فهمها يكمن في الممارسة المستمرة، مضيفا أنها تساعدهم بشكل كبير أثناء رعي الماشية.

الباحثة المغربية فاطمة الزهراء الصالحي وصفت هذه اللغة بأنها "كنز ثقافي"، حيث تعمل منذ خمس سنوات على إعداد ملف لاعتمادها ضمن التراث غير المادي لليونسكو. وحسب الباحث الفرنسي جوليان ماير، تم توثيق أكثر من 90 لغة صفير في العالم، منها لغة جزر الكناري القريبة من المغرب.

قرية إمزري التي تضم حوالي 50 منزلا بلا كهرباء أو ماء، تعيش عزلة قاسية دفعت كثيرا من الأسر إلى الرحيل، ما يهدد استمرار هذا الموروث. وتقول السيدة عائشة إكن (51 عاما) إنها تعلمت الصفير في طفولتها أثناء رعي الغنم، لكنها تأسف لأن العديد من جيرانها غادروا بحثا عن ظروف أفضل.

ورغم أن نسبة الفقر في إقليم أزيلال تراجعت في السنوات الأخيرة، إلا أنها ما زالت تبلغ ضعف المعدل الوطني سنة 2024 (17%). ومع ذلك، يصر بعض السكان على التمسك بأرضهم وتراثهم، مثل إبراهيم أمرواي الذي علم ابنه محمد (12 عاما) لغة الصفير عبر جمعية محلية أسسها عام 2022 لحمايتها.

لكن التحديات لا تقتصر على الهجرة، إذ يواجه الرعاة آثار التغير المناخي والجفاف المستمر منذ سبع سنوات. ففي نونبر 2024، اضطرت أسرة أمرواي لأول مرة إلى ترك قريتهم والانتقال لمسافة 350 كيلومترا شرقا بحثا عن المراعي، قبل أن يعودوا بعد سبعة أشهر. ويصف حمو هذه الرحلة بالمؤلمة، مؤكدا أنهم لم يجدوا خيارا آخر لإنقاذ ماشيتهم.

ويحذر الباحثون من أن استمرار هذه الظروف يهدد نمط الحياة الرعوي التقليدي، ما يستدعي تدخلا عاجلا لحماية هذا التراث الثقافي المهدد بالزوال مع نزيف الهجرة والتغيرات البيئية.