الاحتجاجات التي يقودها شباب "جيل زد 212" منذ أواخر شتنبر لم تنزل على المغرب من السماء، ولم تكن مفاجئة لمن تابع مسار الحكومة الحالية. بل هي حصاد طبيعي لسياسات عزيز أخنوش الذي تعامل مع الدولة بعقلية المقاول لا بعقلية رجل الدولة.
فمنذ تعيينه رئيسا للحكومة، اختار أخنوش أن يحاط بوزراء تقنوقراط، معظمهم بعيدون عن السياسة وهمومها، أقرب إلى موظفين تنفيذيين في شركة خاصة منهم إلى قادة سياسيين يفترض أن يحملوا مشروعا مجتمعيا؛ والنتيجة واضحة: قرارات بلا رؤية، ووعود بلا أثر، وأزمات اجتماعية خانقة انفجرت في الشارع.
في السنوات الأربع الماضية، اكتفى أخنوش وفريقه بـ"التسيير الإداري"، دون أي حس سياسي أو تواصل فعلي مع المواطنين؛ وكأنهم يديرون مقاولة ضخمة هدفها الربح، لا حكومة مسؤولة عن ملايين المغاربة. غلاء الأسعار، انهيار الخدمات الصحية والتعليمية، وتزايد البطالة هي العناوين الكبرى التي فجرت هذا الاحتقان.
الفرق بين الاحتجاجات السابقة والحراك الحالي هو أن جيل الشباب الجديد لم يعد يكتفي بالمطالبة الجزئية، بل يربط الأزمة مباشرة بالحكومة ورئيسها. فالشعارات هذه المرة واضحة: "أخنوش ارحل"، "إقالة الحكومة". وهذه ليست مجرد مطالب آنية، بل تجسيد لانهيار الثقة في شخص رئيس الحكومة وفريقه التقنوقراطي.
اليوم، السؤال لم يعد: كيف تدبر الحكومة الوضع الاجتماعي؟ بل أصبح: هل ما زال أخنوش صالحا لقيادة المرحلة؟ الشارع يجيب بلا، والمعارضة تعزز هذا الموقف، والانتخابات القادمة قد تكون بمثابة استفتاء حاسم على مصير أخنوش السياسي.
إن إدارة دولة ليست صفقة تجارية، ولا يمكن اختزالها في جداول أرقام ومشاريع ورقية. الدولة تحتاج إلى رجال سياسة، إلى من يفهم نبض الشارع، إلى من يدرك أن الحكم هو قبل كل شيء فن الإصغاء والقدرة على بناء الثقة؛ وهو ما عجزت حكومة أخنوش عن تحقيقه.