الأربعاء، 10 ديسمبر 2025

ماكرون في عزلة سياسية بعد سقوط أقصر حكومة عمرا في تاريخ الجمهورية الخامسة


تعمقت الأزمة السياسية في فرنسا بشكل غير مسبوق بعد استقالة رئيس الوزراء الجديد سيباستيان لوكورنو وحكومته، بعد ساعات فقط من إعلان تشكيلة الحكومة الجديدة، ما أدى إلى تراجع حاد في الأسهم الفرنسية وانخفاض في قيمة اليورو. وجاءت الاستقالة المفاجئة بعد تهديدات من حلفاء وخصوم بالإطاحة بالحكومة، ما دفع لوكورنو إلى القول إنه لم يعد قادرا على أداء مهامه في ظل هذا المناخ السياسي المتوتر.

استقالة لوكورنو، خامس رئيس وزراء في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون خلال عامين، جاءت بعد 27 يوما فقط من توليه المنصب، فيما لم تصمد حكومته سوى 14 ساعة، لتسجل كأقصر حكومة عمرا في تاريخ الجمهورية الفرنسية الحديثة. وتأتي هذه التطورات بينما يواجه البرلمان انقساما حادا، وتعاني ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من ضغوط لإصلاح أوضاعها المالية.

الأحزاب المعارضة سارعت إلى مطالبة ماكرون بالاستقالة أو الدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، معتبرة أن لا مخرج من الأزمة إلا عبر العودة إلى صناديق الاقتراع. وقال حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف في بيان: "على ماكرون أن يختار الآن: الحل أو الاستقالة، وبسرعة!"، فيما وصفت زعيمته مارين لوبان الوضع بأنه "مهزلة يجب أن تتوقف". من جهتها، علقت ماثيلد بانو من حزب "فرنسا الأبية" قائلة: "لوكورنو يستقيل.. ثلاثة رؤساء وزراء يسقطون في أقل من عام. العد التنازلي بدأ، وماكرون يجب أن يرحل".

لوكورنو، في كلمته المقتضبة عقب الاستقالة، حمّل مسؤولية الفشل إلى "الأنانية السياسية" للأحزاب المعارضة، متهمًا خصومه بالتمسك ببرامجهم دون مرونة، فيما ركز بعض حلفائه داخل الائتلاف الحاكم على طموحاتهم الرئاسية بدل مصلحة البلاد. وقال: "يجب أن نفضل الوطن على الحزب".

وكان لوكورنو قد أعلن تشكيل حكومته مساء الأحد بعد أسابيع من المشاورات مع مختلف القوى السياسية، وكان من المفترض أن يعقد أول اجتماع وزاري يوم الاثنين، إلا أن التشكيلة الجديدة أثارت غضب الجميع تقريبًا، إذ اعتبرها البعض "يمينية أكثر من اللازم"، فيما رأى آخرون أنها "لم تذهب بعيدا بما فيه الكفاية"، ما كشف هشاشة الوضع السياسي قبل حتى أن تبدأ الحكومة عملها رسميًا.

وقبل أن يغادر منصبه، قدّم لوكورنو استقالته لماكرون، الذي قبلها على الفور دون تعليق علني. وبثت قناة BFM TV لقطات لماكرون وهو يتجول وحيدًا على ضفاف نهر السين، في مشهد بدا رمزيًا لعزلته السياسية المتزايدة.

الانعكاسات الاقتصادية كانت فورية، إذ تراجع مؤشر "كاك 40" بأكثر من 1.5% ليصبح الأسوأ أداءً في أوروبا، فيما انخفض اليورو بنسبة 0.7% إلى 1.1665 دولار. ويأتي ذلك وسط قلق المستثمرين من تفاقم عدم الاستقرار السياسي ومن استمرار ارتفاع الدين العام الفرنسي الذي بلغ 113.9% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تجاوز العجز ضعف السقف الأوروبي المحدد بثلاثة في المئة.

المحلل المالي كريس بيتشام من مجموعة IG قال إن "تتابع سقوط الحكومات المتكرر أصبح مشكلة رئيسية للأصول الفرنسية، وله تداعيات على بقية أوروبا".

وتُعدّ هذه الأزمة الأعمق التي تشهدها فرنسا منذ تأسيس الجمهورية الخامسة عام 1958، وهي النظام الذي صُمم أصلاً لضمان الاستقرار من خلال رئيس قوي مدعوم بأغلبية برلمانية. غير أن ماكرون، الذي وصل إلى السلطة عام 2017 محدثًا زلزالًا في المشهد الحزبي الفرنسي، يجد نفسه اليوم محاصرًا داخل برلمان منقسم لا يحتفظ فيه أي تيار بالأغلبية، فيما يسيطر اليمين المتطرف واليسار الراديكالي على المشهد. وفي بلد غير معتاد على بناء التحالفات أو التوصل إلى تسويات، تبدو فرنسا الآن أمام اختبار سياسي غير مسبوق يهدد استقرارها الداخلي ومكانتها الأوروبية.