في تصريح اعتبره المراقبون تحولا دبلوماسيا لافتا في الموقف الروسي التقليدي، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف استعداد موسكو لدعم مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب لتسوية نزاع الصحراء، شريطة أن يحظى بقبول جميع الأطراف المعنية.
وخلال مؤتمر صحفي رفيع المستوى جمعه بعدد من ممثلي وسائل الإعلام العربية في موسكو، أكد لافروف أن روسيا "مستعدة لدعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية كأحد أشكال تقرير المصير المعترف بها من قبل الأمم المتحدة"، في أول موقف روسي رسمي صريح يبدي تفهما إيجابيا للمبادرة المغربية.
وأوضح الوزير الروسي أن "مقترح الحكم الذاتي المغربي يندرج ضمن الأشكال الممكنة لتقرير المصير، ويمكن أن يشكل حلا ناجعا ما دام يحترم القانون الدولي ويحظى بقبول جميع الأطراف"، مضيفا أن "في هذه الحالة سيكون مقبولا لدى روسيا أيضا". ويأتي هذا الموقف قبيل جلسة مجلس الأمن المقررة في أواخر أكتوبر الجاري التي ستترأسها موسكو.
وأشار لافروف إلى أن موقف بلاده من قضية الصحراء يستند إلى قرارات الأمم المتحدة، مؤكدا أن روسيا تدعم مبدأ تقرير المصير عبر الحوار لا عبر الإجراءات الأحادية، معتبرا أن المقترح المغربي "خيار واقعي يمكن أن يطوي نهائيا هذا الملف".
وأضاف الوزير الروسي أن الحل المقبول بالنسبة لبلاده هو الذي يرضي جميع الأطراف، موضحا أن "القضية ستغلق بالنسبة لنا عندما يشعر جميع المعنيين بأن التوصل إلى حل تم وفق توازن عادل للمصالح". كما عبر عن استعداد موسكو لمناقشة أي مبادرات جديدة "تكون مقبولة من كل الأطراف"، في إشارة إلى انفتاح محتمل في الموقف الروسي من الملف.
وتحدث لافروف عن جذور النزاع قائلا إن قضية الصحراء مطروحة على الساحة الدولية منذ نحو نصف قرن، وكانت في بداياتها تتجه نحو خيار الاستفتاء قبل أن تتغير المعطيات، مذكرا بأن الولايات المتحدة خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب كانت قد اعترفت بسيادة المغرب على الصحراء، لكنه شدد على أن الحل النهائي يجب أن يستند إلى قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالحكم الذاتي.
ويأتي الموقف الروسي الجديد في توقيت حساس، قبل أيام من مناقشة مجلس الأمن لتجديد ولاية "مينورسو"، في ظل قرارات حديثة تؤكد دعم "مسار سياسي واقعي وبراغماتي ومستدام يقوم على التوافق"، وهي صياغة تتماشى مع الطرح المغربي.
ورغم أن موسكو وبكين لم تعلنا بعد دعمهما الصريح للمقترح المغربي مثل واشنطن ولندن وباريس، إلا أن مواقفهما تشهد تقاربا متزايدا مع الرباط، نتيجة نهجها الدبلوماسي المتوازن والبراغماتي.
كما لفت المراقبون إلى أن امتناع المغرب مؤخرا عن التصويت في مجلس حقوق الإنسان على قرار يمدد ولاية المقرر الخاص لحقوق الإنسان في روسيا لعام إضافي، والذي عارضته موسكو بشدة، تم النظر إليه على أنه خطوة دبلوماسية ذكية تفتح الباب أمام امتناع روسي مماثل خلال التصويت المقبل على قرار الصحراء.
من جانب آخر، عزز دعم المغرب لمبدأ "الصين الواحدة" مكانته لدى بكين، التي تنظر بتقدير إلى ثبات الدبلوماسية المغربية وابتعادها عن الاصطفافات الأيديولوجية، وهو ما يكرس صورة المملكة كفاعل موثوق ومتزن في عالم تتزايد فيه الاستقطابات.
يذكر أن زيارة الملك محمد السادس إلى موسكو عام 2016 شكلت محطة محورية في مسار العلاقات بين البلدين، حيث تم توقيع إعلان الشراكة الاستراتيجية الذي تضمن إشارات واضحة إلى احترام روسيا للموقف المغربي وإلى التزامها بقرارات مجلس الأمن. ومنذ ذلك الحين، أصبحت موسكو تميل إلى الامتناع عن التصويت بدل المعارضة في قرارات المجلس المتعلقة بالصحراء.
ويرتقب أن يكون القرار المقبل لمجلس الأمن حاسما، إذ ينتظر أن يكرس المقترح المغربي كأساس وحيد للتسوية السياسية لهذا النزاع المستمر منذ نصف قرن. كما أعلنت واشنطن نيتها دعم استثمارات في مشاريع تنموية بالصحراء، في خطوة تؤكد التوجه الدولي المتزايد نحو تبني المقاربة المغربية الواقعية القائمة على التنمية والاستقرار الإقليمي.