الأربعاء، 10 ديسمبر 2025

تقرير جديد للمندوبية السامية للتخطيط يكشف أن الهجرة الداخلية تعكس اختلالات النموذج التنموي


كشف تقرير جديد للمندوبية السامية للتخطيط أن الهجرة الداخلية في المغرب ما زالت تعكس نموذجا تنمويا غير متكافئ، ما يؤكد الحاجة إلى سياسات ترابية أكثر عدلا لضمان توزيع متوازن للسكان وفرص النمو بين مختلف الجهات.

ووفقا لبيانات الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، تظل الهجرة الداخلية ظاهرة هيكلية مستمرة ومحركا رئيسيا للديناميات الديموغرافية في المغرب، إذ تعيد توزيع السكان بين المناطق وسط استمرار التفاوتات المجالية.

وتعرف المندوبية الهجرة الداخلية بأنها انتقال شخص من جماعة محلية إلى أخرى لمدة لا تقل عن ستة أشهر. وأشار التقرير إلى أن نحو 59.7 في المئة من المغاربة يعيشون في الجماعة التي ولدوا فيها، بينما انتقل 39.6 في المئة مرة واحدة على الأقل داخل البلاد خلال حياتهم. ورغم تباطؤ وتيرة التنقل خلال العقد الأخير، ما زالت المدن تستقطب معظم التحركات الداخلية.

ومن أبرز ما كشفه التقرير الارتفاع الملحوظ في نسبة النساء ضمن المهاجرين الداخليين، إذ يمثلن 43.7 في المئة مقابل 35.5 في المئة من الرجال. ويعكس ذلك تحولات اجتماعية واقتصادية متعلقة بتوسع مشاركة النساء في التعليم والعمل والتنقل لأسباب أسرية.

الهجرة نحو المدن تشكل حاليا نحو نصف التحركات الداخلية، ما يعزز جاذبية كبريات المدن المغربية التي توفر فرص عمل وخدمات أفضل ومستويات عيش أعلى. وتأتي جهات الدار البيضاء سطات، والرباط سلا القنيطرة، وطنجة تطوان الحسيمة في مقدمة الوجهات المفضلة بفضل بنياتها التحتية القوية وحضورها الإداري وتنوعها الاقتصادي.

في المقابل، تسجل جهات مراكش آسفي، وفاس مكناس، وبني ملال خنيفرة، ودرعة تافيلالت خسائر ديموغرافية بسبب محدودية فرص التنمية، ما يؤدي إلى عجز سكاني واضح.

ويشير التقرير إلى أن النزوح الريفي نحو المدن ما زال يمثل نحو ثلث التحركات الداخلية، مدفوعا بالرغبة في تحسين ظروف المعيشة والحصول على التعليم والرعاية الصحية، فيما تبقى الهجرة العكسية من المدن إلى القرى محدودة وتقتصر غالبا على حالات التقاعد أو العودة الأسرية.

المناطق القروية في المغرب ما تزال تفقد سكانها بوتيرة مرتفعة، إذ خسر العالم القروي نحو أربعة ملايين نسمة لصالح المدن، ما يبرز اتساع الفجوة في الجاذبية الترابية وسيطرة التوسع الحضري على المشهد الديموغرافي الوطني.

كما رصد التقرير بروز أقطاب هجرة جديدة في الأقاليم الجنوبية، خصوصا جهتي العيون الساقية الحمراء والداخلة وادي الذهب، حيث أسهمت الاستثمارات الكبرى في البنية التحتية والمشاريع التنموية في تعزيز جاذبيتهما، إذ تجاوزت نسبة الوافدين الجدد في بعض المناطق 60 في المئة، ما يعكس حيويتهما الاقتصادية المتصاعدة.

وفي ختام التقرير، حذرت المندوبية من أن استمرار الهجرة الداخلية بهذا النمط يكشف اختلالات النموذج التنموي القائم، حيث تتركز فرص العمل والنمو على طول المحور الأطلسي. فقد سجلت جهتا الدار البيضاء سطات والرباط سلا القنيطرة فائضا صافيا في عدد السكان تجاوز 800 ألف و480 ألف نسمة على التوالي، بينما فقدت جهتا مراكش آسفي ودرعة تافيلالت أكثر من 700 ألف نسمة لكل منهما.

ودعت المندوبية إلى إعادة توجيه السياسات العمومية الترابية نحو توزيع أكثر توازنا للسكان وفرص التنمية، من خلال تحفيز الاستثمار وخلق فرص العمل في الجهات الأقل استقطابا، لتفادي اتساع الفوارق الاجتماعية والمجالية.