أكد تقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية برسم سنة 2024 أن هذه السنة شكلت منعطفا حاسما في مسار إصلاح منظومة العدالة بالمغرب، مبرزا أن ورش الإصلاح عرف دينامية نوعية توجت باستكمال البناء المؤسساتي للسلطة القضائية. وأوضح التقرير أن المجلس واصل تنفيذ مبادرات تشريعية وتنظيمية وإدارية لترسيخ استقلال القضاء وتعزيز الحكامة وتحقيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي للقضاة، في إطار المخطط الاستراتيجي 2021-2026 الذي يتضمن 163 إجراء ضمن سبعة توجهات رئيسية.
وأشار التقرير إلى أن المجلس عزز مكانته كفاعل محوري في الإشراف على المنظومة القضائية وضمان استقلالها من خلال تحديث الإطار القانوني والإداري وتحسين الأوضاع الاجتماعية والمادية للقضاة، مع اعتماد هيكلة إدارية جديدة تواكب تحديات المرحلة وتضمن النجاعة في تدبير الموارد. كما شدد على ضرورة تقوية القدرات المؤسساتية وتوفير الآليات القانونية والتنظيمية الكفيلة بتمكين المجلس من أداء مهامه القيادية وتنفيذ برامجه الإصلاحية بفعالية.
وفي هذا السياق، أصدر المجلس النظام الداخلي الجديد وساهم في تفعيل النصوص التنظيمية المتعلقة بالمعهد العالي للقضاء، ما ساعد على تكريس الحكامة القضائية واستقلالية السلطة القضائية. كما كثف التنسيق مع وزارة العدل بشأن مشاريع القوانين وتدبير الجوانب الإدارية والمالية للإدارة القضائية، انسجاما مع دوره الدستوري في تقديم الرأي والمساهمة في التشريع.
وأبرز التقرير أن خطة العمل التي اعتمدها المجلس ارتكزت على ثلاثة محاور أساسية: تحديث الإطار القانوني لمواكبة التطورات القضائية، تحسين الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للقضاة والمسؤولين القضائيين، وتنزيل التنظيم الهيكلي الجديد للمجلس بما يعزز حكامته الداخلية.
وأكد أن إصدار النظام الداخلي الجديد للمجلس شكل خطوة مفصلية في تحديث القضاء، إذ جاء متوافقا مع التعديلات الجوهرية التي عرفها القانونان التنظيميان للمجلس والنظام الأساسي للقضاة سنة 2023، حيث ركزت الإصلاحات على تقوية المساطر التأديبية وتعزيز الشفافية في اختيار المسؤولين القضائيين وتطوير آليات تقييم الأداء، إلى جانب إعادة هيكلة الإدارة. وقد صادقت المحكمة الدستورية في يناير 2024 على مطابقة النظام الجديد للدستور، مما أضفى عليه بعدا مؤسساتيا راسخا.
وفي السياق ذاته، فعّل المجلس مقتضيات القانون رقم 37.22 المتعلق بالمعهد العالي للقضاء، بإصدار النصوص المنظمة للمباريات والامتحانات ونظام التكوين، مما أسس لإطلاق المعهد في حلته الجديدة، بهدف الرفع من جودة تكوين القضاة واستدامة الإصلاح القضائي.
أما على المستوى الاجتماعي، فقد شملت الإصلاحات مراجعة التعويضات الخاصة بالمسؤولين القضائيين ورؤساء الغرف بمحكمة النقض بموجب المرسوم رقم 2.24.485 الصادر في أكتوبر 2024، إضافة إلى الزيادة في أجور الملحقين القضائيين التي ظلت مجمدة منذ 2004، في خطوة تهدف إلى دعم التمكين الاقتصادي للفئات الصاعدة داخل الجسم القضائي.
وفي ما يتعلق بحصيلة تنفيذ المخطط الاستراتيجي 2021–2026، أوضح التقرير أن نسبة الإنجاز الكامل بلغت 25%، فيما تم تفعيل 52% من الإجراءات بشكل مستدام، و5% أنجزت جزئيا، و18% قيد التنفيذ، دون تسجيل أي إجراء غير منجز، ما يعكس تقدما ملموسا في تنزيل أهداف الإصلاح وتحقيق النجاعة في الأداء القضائي.
كما أبرز التقرير أن التنسيق بين المجلس ووزارة العدل في 2024 شكل أحد ركائز العمل المشترك، تجسيدا لمبدأ التعاون بين السلطات، مع احترام استقلال القضاء. وشملت مجالات التعاون الإدارة القضائية والبنية التحتية للمحاكم والرقمنة والتكوين، من خلال الهيئة المشتركة المنصوص عليها في القانون التنظيمي رقم 100.13، والتي تضم لجانًا دائمة لمتابعة التنفيذ الميداني للمشاريع الكبرى كإحداث محاكم جديدة وتنزيل البرامج الرقمية.
وأوضح التقرير أن أنشطة المجلس في ميدان التشريع أكدت مكانته كقوة اقتراحية فاعلة، حيث واصل إبداء الرأي في مشاريع القوانين ذات الصلة بالعدالة، انسجاما مع المادة 112 من القانون التنظيمي رقم 100.13 التي تمنحه هذه الصلاحية بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان.
وخلص التقرير إلى أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية رسخ خلال الفترة 2022-2024 مكانته كمؤسسة دستورية رائدة في توجيه السياسة التشريعية الوطنية الخاصة بالعدالة، من خلال تفاعله الإيجابي مع المبادرات القانونية والإصلاحية، بما يعزز استقلال القضاء وترسيخ دولة الحق والقانون.