الأربعاء، 10 ديسمبر 2025

الرئيس السوري أحمد الشرع يشن حملة ضد الفساد تبدأ من داخل دائرته المقربة


مازح الرئيس السوري أحمد الشرع الحاضرين في أحد الاجتماعات قائلا: "لم أكن أعلم أن رواتب الحكومة بهذه السخاء"، وذلك بعدما وصل أكثر من مئة من الموالين إليه إلى مقره السابق في شمال سوريا وهم يستقلون سيارات فارهة من طراز كاديلاك إسكاليد ورينج روفر وشيفروليه تاهو. وأضاف مخاطبا إياهم بنبرة عتاب: "هل نسيتم أنكم أبناء الثورة؟ هل أغرتكم الرفاهية بهذه السرعة؟".

جاء الاجتماع، الذي عقد في 30 غشت في محافظة إدلب، بعد عشرة أشهر من سيطرة الشرع على الحكم وإطاحته ببشار الأسد عقب حرب أهلية دامت 14 عاما. ومنذ ذلك الحين، شهدت البلاد اضطرابات متفرقة ذات طابع طائفي بين فصائل سابقة من المعارضة، ما أسفر عن مقتل أكثر من ألفي شخص، إلى جانب موجات من مصادرة الممتلكات وعمليات الإخلاء القسري.

وخلال الاجتماع، أمر الشرع الموظفين الحكوميين الذين يملكون سيارات فارهة بتسليم مفاتيحها أو مواجهة تحقيقات في مصادر ثرواتهم، بحسب ما نقلته وكالة "رويترز" عن أربعة أشخاص بينهم موظفون حضروا اللقاء. وأفاد الحاضرون أن عددا قليلا من المفاتيح سلم بالفعل أثناء مغادرتهم.

يرى محللون أن الرسالة التي وجهها الشرع تكشف عن تحد أساسي يواجهه الرئيس البالغ من العمر 43 عاما، والمتمثل في الانتقال من قيادة تمرد مسلح إلى إدارة مدنية من دون تكرار الفساد المزمن الذي ميز حكم الأسد. وقال الباحث السوري حسام جزماطي إن الشرع "لم يتكون داخل مؤسسات دولة بل في بيئة فصائلية قائمة على الولاءات والمحسوبية". وأضاف أن أي استغلال للسلطة من قبل الموالين قد يهدد قدرة الرئيس على ترسيخ حكمه، خاصة وأنه "بحاجة إلى موارد مالية كبيرة لضمان استقرار إدارته".

من جهتها، قالت وزارة الإعلام السورية إن الاجتماع كان "وديا وغير رسمي" وتناول التحديات السياسية والأمنية وضرورة تغيير "ثقافة الاستثمار التي رسخها النظام السابق"، مؤكدة أن الشرع شدد على أنه "لن يتسامح مع أي شبهة فساد". ونفت الوزارة تسليم أي مفاتيح سيارات خلال اللقاء.

وفي الوقت نفسه، بدأت تظهر آثار حملة الشرع ضد الفساد داخل أسرته نفسها. فبينما يشغل شقيقاه حازم وماهر مناصب حكومية رفيعة، أغلق مكتب شقيقه الأكبر جمال في دمشق بقرار رئاسي بعد اتهامات له باستغلال صلته بالعائلة لتحقيق مكاسب شخصية. وأكدت وزارة الإعلام إغلاق المكتب قائلة إن "جمال الشرع لم يكن مرخصا له بالعمل التجاري أو الاستثماري".

وفي اجتماع عائلي لاحق، حذر الرئيس أفراد عائلته، بمن فيهم والده، من استغلال اسم العائلة لأغراض شخصية. لكن جمال نفى في تصريح لـ"رويترز" امتلاكه أي مكتب أو أنشطة تجارية، واعتبر التقارير التي تحدثت عن ذلك "افتراءات".

وفي سياق متصل، اشتكى عدد من الصناعيين السوريين من استمرار ظواهر الرشوة في المؤسسات الحكومية الجديدة، مؤكدين أنهم اضطروا لدفع مبالغ طائلة لإطلاق سراح موظفين أو استعادة ممتلكات صودرت منهم. وقال أحدهم إنه دفع 100 ألف دولار للإفراج عن عامل لديه، ثم طلب منه المبلغ ذاته للسماح للعامل بالعودة إلى عمله.

وأقرت وزارة الإعلام بأن بعض حالات الفساد لا تزال قائمة، لكنها أكدت أن السلطات تحقق فورا مع المتورطين. كما أوضحت أن لجنة مكافحة الكسب غير المشروع وصندوق الثروة السيادية، اللذين تأسسا حديثا لإدارة الأصول المصادرة من المتهمين بالارتباط بالنظام السابق، يخضعان أيضا للتحقيق بعد توقيف عدد من المحامين والموظفين بشبهات فساد.